الألفة السياسيّة القرآنيّة في منهج الإمام علي (علیهالسلام)
الحمد ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
لقد حثَّ القرآن الكريم على الألفة لدورها في نبذ الفرقة وتقوّية العلاقات الاجتماعيّة بين أبناء المجتمع الواحد، والقضاء على القوى الشيطانيّة التي تحول دون الفوز بنعيم الآخرة، فلو اجتمعت كلمة المؤمنين وتآلفت قلوبهم، فإنَّ الله تعالى سَيُخرجهم في الدنيا من قيود الذلِّ والهوان إلى رحاب العزَّة والسؤدد؛ لأنَّ ترك الألفة السياسيّة ـ التي أشار لها القرآن الكريم، وعدم الاعتصام بحبل الله، وتفرّق كلمة المؤمنين وتباعد القلوب ـ يجعل الله يُلبسهم ثوب الذلَّة والمهانة؛ لأنَّ العزَّة والنصر على الأعداء والتمكين في الأرض لا يمكن أن يتحقّق إلا بالألفة السياسيّة التي هي مـعيارٌ حضاريٌّ لتقدّم الأمم والشعوب، وعنوان عزَّتها وكرامتها، وهي أساسٌ لبناء نظام سياسيٍّ يرتكز على الأخوَّة الإيمانيّة، ويُمهِّد لتأسيس حكومةٍ إسلاميّةٍ عالميّةٍ عادلةٍ.
من هذا المنطلق، نجد أنَّ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‘ يوصي مالك الأشتر حين ولَّاه مصر بالألفة، ويصفها بالسُنَّة الصالحة التي فيها صلاح الرعية؛ إذ قال له:
«ولا تنقض سُنَّةً صالحةً عمل بها صدور هذه الأمَّة، واجتمعت بها الألفة، وصلحت عليها الرعية» (نهجالبلاغة، العهد 53).
إنَّ المبادئ التي أسّس الإمام علي× عليها منهجه السياسيّ انتهلها من النبي الأعظم|، فهو القرآن الناطق الذي قال عنه النبي|: «عليٌّ مع القرآن، والقرآن مع عليٍّ» (الأمالي:479). ومن منهجه× تأكيده على الألفة بين المسلمين واجتناب الفرقة التي تمنع تآلف المسلمين ووحدة كلمتهم، فقد كان× يدعو الساسة في العالم الإسلامي إلى التمسُّك بالأخوَّة الإيمانيّة ولَم شمل المسلمين؛ لإكمال دعوة التعايش والحوار والتفاهم، وبناء جسور التواصل وردم الموانع والسدود التي تحول دون تقارب قلوب المؤمنين وتحقيق ألفتهم.
فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يُمكن أن يتحقّق موضوع الألفة السياسيّة القرآنيّة التي أكَّد عليها الإمام علي× في نهجه، هذا ما دعاني لكتابة هذا البحث من خلال تتبع الآيات القرآنيّة وأقوال الإمام علي× المتعلّقة بهذا الموضوع، من خلال الفصول الثلاثة التالية:
الفصل الأول: مفهوم الألفة السياسيّة القرآنيّة.
الفصل الثاني: أبعاد الألفة السياسيّة القرآنيّة في منهج الإمام علي×.
الفصل الثالث: أسس الألفة السياسيّة القرآنيّة في منهج الإمام علي×.
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا الجهد خالصًا لوجهه الكريم، كما أسأله التوفيق والسداد (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود:88).